الصحة العاطفية “معدومة”: لبنان يحلً ثانياً بعد أفغانستان
ليس مستغرباً أن يصنف لبنان في مراكز الصدارة العالمية لمؤشر “الأسوأ” في معدلات الصحة العاطفية، حيث اقترب بفارق مرتبة واحدة فقط من المركز الأول، وهو مقياس اتخذ استناداً إلى مشاعر الناس اليومية من حزن وإجهاد وقلق وغضب وألم جسدي.
وذلك من خلال دراسة إحصائية لكل من “غالوب” (شركة تحليلات واستشارات أميركية تتخذ من واشنطن مقراً لها، أسسها جورج غالوب عام 1935 وأصبحت معروفة باستطلاعات الرأي العام التي تُجريها في جميع أنحاء العالم) و”ستاتيستا” (شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين)، واللتين صنفتا لبنان كأسوأ ثاني دولة في لائحة البلدان من ناحية معدلات الصحة العاطفية، فيما حلت أفغانستان في المرتبة الأولى.
أيام صعبة يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات يئن فيها الشعب تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، ما جعلته يطوي صفحة حياة الرخاء والانتقال الى نمط حياة لم يعتده في العصر الحديث ما جعله يزحف نحو “الأسوأ”. ما أثر بالدرجة الأولى على صحته العاطفية التي تعد من أحد جوانب الصحة العقلية والجسدية، فعلى قدر الوعي بالصحة العاطفية سيتم التحكم بالمشاعر السلبية والإيجابية عند الأفراد، وعند السيطرة على المشاعر العاطفية يمكن تفادي إصابة الجسم بالضعف العام.
الطبيبة في الصحة النفسية سهام رمضان تشرح لـ “أحوال.ميديا” أسباب تصنيف لبنان كثاني أسوأ بلد لناحية الصحة العاطفية، وتقول “لطالما تعرض الشعب اللبناني للصدمات المرتبطة بالنزاع وعدم الاستقرار الداخلي، ما أحدث مجموعة من اضطرابات الصحة العقلية. وحتى قبل الأزمة الحالية التي طال أمدها، كان حوالي ربع البالغين في لبنان يعانون من اضطراب نفسي واحد، ما يدل على ارتفاع معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة إلى حوالي 25٪.
ويعود تاريخ آخر دراسة شاملة أُجريت حول انتشار الاضطرابات المختلفة في لبنان إلى عام 2006. ووفقاً لهذه الدراسة، كانت الاضطرابات الأكثر شيوعاً بين اللبنانيين هي الرهاب والاكتئاب والقلق، وكانت مرتبطة غالباً بالصدمات التي أحدثتها الحرب. وتبّين أن الاكتئاب هو الاضطراب الفردي الأكثر شيوعاً في لبنان، حيث سُجّلت معاناة 16.7٪ من السكان باضطرابات القلق ومعاناة 12.6٪ من الاضطرابات المزاجية فيما عانى 4.3٪ من السكان من الأفكار الانتحارية”.
وتضيف د. رمضان “خلال السنوات الثلاث الماضية عانى لبنان من انهيار اقتصادي تام ومن استمرار الاضطرابات الاجتماعية والضغوط الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا، والتي تفاقمت جميعها مع الانفجار الذي شهدته بيروت في 4 آب ما أثر بشكل مباشر على صحة اللبنانيين العاطفية”.
ولا تخفي أن “مناقشة القضايا المتعلقة بالصحة العاطفية في لبنان هي من ضمن المحرمات الثقافية، ويفضي ذلك بدوره إلى الفشل في معالجة القضايا ذات الصلة بالصحة العقلية والتي تعود إلى أجيال عدة، وتجلّى أثر ذلك عندما انتشر مرض فقدان الذاكرة في جميع أنحاء البلد الذي مُني بالحرب الأهلية”.
وتوضح أن من “أكثر الأمور المعيبة بالنسبة للمجتمع اللبناني أن يكون هناك أحد في العائلة مصاب بمرض نفسي وأنه يذهب للطبيب لتلقي العلاج ، ولكن هذه النظرة تغيّرت اليوم حتى أصبحت العيادة النفسية موضوعاً قابلاً للنقاش، والصحة النفسية حاجة وضرورة مثل الصحة الجسدية تماماً رغم ان ليس كل اللبنانيين يزورونها”.
ولتحسين معدلات لبنان في تصنيف الصحة العاطفية تطرح د. رمضان حلولاً مساعدة منها “نشر الوعي المجتمعي حول الصحة النفسية، تنظيم ورش عمل وحلقات توعية للأهل والشباب، إعداد جلسات دعم نفسي اجتماعي بشكل دوري للأطفال والشباب، وجود اخصائي نفسي في المدارس والعيادات يساعد الاشخاص على الوصول بشكل أسرع للمساعدة”.